ارتفاع إيجارات المنازل في إسطنبول.. معضلة تؤرق المستأجرين

1


طفرة عمرانية، تلك تسمية يطلقها العديد من أرباب قطاع البناء في تركيا على ما تشهده بلادهم عموماً والمدينة الأكثر ازدحاماً فيها، إسطنبول.

طفرة جلبت معها عوائد بمليارات الدولارات، وأدت في المقابل إلى ارتفاع غير معهود في أسعار العقارات، سواءٌ المخصصة للبيع، أو المعروضة للإيجار.

أمرٌ جعل المواطن التركي إبراهيم يوجيل وكثيرين من أمثاله يواجهون تحدياً معيشياً مختلفاً.

وقال يوجيل: “المعضلة الآن بالنسبة لي ولكثير من المواطنين، هي العثورُ على منزلٍ لاستئجاره بسعر مناسب، أعتقد أن القضيةَ بدأت مع مساعي الحكومة لتخفيفِ أعباء التضخم عن المواطنين، بقيامها بزيادة الحد الأدنى للرواتب في البلاد لأضعاف ما كان عليه، على الفور زادت أسعارُ السكن ثلاثةَ أو أربعةَ أضعاف وفي بعض المناطق إلى خمسة أضعاف”.

 رفع الحد الأدنى للأجور، فتح، على ما يبدو، شهية مالكي البيوت لرفع قيمة الإيجارات إلى تلك الأضعاف التي تحدث إبراهيمُ عنها.

نجم عن تلك المعادلة، نزاعات قضائية تشهدها أروقة المحاكم التركية بين العديد من أصحاب المساكن ومستأجريها.

من جانبه، قال المحامي، جنيد كولجان: “وفق القانون، يمكن لصاحب المنزل رفع دعوى تقييم سعر السوق الرائج للإيجار بعد خمس سنوات،
ومع التضخم الحاصل في البلاد اتجه مالكو البيوت التي تجاوز عقدها خمس سنوات لرفع دعاوى ضد المستأجرين”.

وأضاف: “هناك مالكو منازل يريدون رفع الأسعار بسبب التضخم والغلاء الحاصل في معظم الخدمات والسلع، إذ طالبوا بخروج المستأجرين لكي تتاح لهم فرصة تأجيره بسعر أعلى، من هنا زادت دعاوى الإخلاء في المحاكم”.

وأكمل: “سجال المالك والمستأجر، في رحلة بحث كل طرف عن حقوقه، جعل كثيرين من المستأجرين يتكلمون بمنطق قلة الحيلة أمام ما تفرضه الظروف الاقتصادية”.

بدوره، قال المواطن التركي، أحمد كهرمان: “لو فرضنا أننا تركنا سكنَنا الحالي، فلن نجد مسكنا آخر بسهولة، خصوصاً أن تكلفة السكن بدأت في الارتفاع منذ وباء كورونا”.

وأضاف: “وبسبب الحاجة للمساكن حالياً زادَ الطلبُ على سوق العقار وبسببها زادت الأسعار، وإذا فكر المستأجر في تغيير السكن حالياً كما يرغب مالك البيت، سوف نكون في واقع صعب جداً”.

وفي السياق، قال صاحب مكتب عقارات في إسطنبول، عثمان أوزتورك: “دعني أخبرُك أن منزلاً كانت قيمة إيجاره الشهري قبل عام فقط ثلاثةُ آلاف ليرة قد أصبح الآن يستأجَر 9000 ليرة، وبعض البيوت تصل اليوم إلى 12000 ليرة، رؤيتنا للسوق أن وتيرةَ أسعارِه مستمرةٌ في الارتفاع حتى عام مقبل، ارتباطاً بوتيرة التصخم”.

الحاجة للسكن دفعت كثيرين للاستسلام لتكاليفه المستجدة، لكن سرعان ما اصطدم الفريقان، المستأجرون وملاك البيوت في مشكلات جديدة، خلفت مزيداً من الدعاوى القضائية بينهما.

وقال المحامي، جنيد كولجان: “مع أن هناك قسما من المستأجرين وافقوا على زيادة الأسعار التي طلبها مالكو البيوت، إلا أنهم أصبحوا تدريجياً يعانون من صعوبة في دفع الإيجار أيضاً، وفي هذا الحال زادت دعاوى الإخلاء ودعاوى التحذير، لقد زادت نسبها بصورة قياسية عن عام سابق بنسبة 50 بالمئة، المشكلة أيضاً أن النظرَ في تلك الدعاوى قد يستغرقُ بين عامين إلى ثلاثة أعوام”.

التضخم لا يبدو المتهم الوحيد في قضية ارتفاع تكلفة السكن في تركيا عموماً، بل ثمة أسبابٌ فرضتها عواملُ عديدة، منها شهية الأجانب للامتيازات التي يحصلون عليها لقاء استثمارهم في قطاع العقارات.

وأضاف كولجان: “كما تعلمون أن الأجانب يمكنهم شراءُ عقارات في بلدنا، وذلك يتيح لهم الحصولَ على الجنسية التركية مقابل دفع 400 ألف دولار، وما زال هناك طلبٌ مستمرٌ على شراء العقارات من قبل هؤلاء، وهذا أيضاً عاملٌ أسهم في رفع الأسعار، سواءٌ للإيجار أو التمليك، إذْ أنّ نسبة المعروض من العقارات لا تغطي حاجه الطلب في السوق”.

كما لا يبدو قطاع العقارات في تركيا بعيداً عن التأثر بالأزمات الدولية، فهذا البلد فتح أبوابه منذ زمن للاجئين من مختلف الدول التي تعصف بها الحروب والاضطرابات، فكان للأمر ضريبته.

وفي هذا السياق، قال أوزتورك: “لك أن تتخيل وجودَ 5 ملايينِ لاجئ في تركيا، نحوُ مليونٍ منهم على الأقل في مدينة إسطنبول، كلُّ هؤلاءِ يستأجرون أو يطلبونَ شراءَ مساكن، وكثيرٌ منهم ميسورو الحال مثل أولئك الفارين من الحرب سواءٌ من روسيا أو من أوكرانيا، لقد أتوا إلى بلادنا بأعدادٍ كبيرة وباشروا في طلب العقارات بشكل كبير، وهو ما زاد الضغوطَ على سوقِ العقارات ورفَعَ الأسعار”.

تشجيع الناس على السكنى خارج مراكز المدن الكبرى، كان هدفاً في رحلة البحث على حلول لأزمة السكن، لاسيما مع إطلاق مشاريع عمرانية كبيرة يمكن الاستفادة منها وفق شروط.

في منتصف سبتمر الماضي، أطلقت تركيا أضخم مشروع إسكان جماعي في تاريخ البلاد.

مشروع يتضمن بناء 500 ألف منزل في 18 ولاية، تعتمد على إنشاء مناطق وأحياء جديدة.

أما نصيبُ إسطنبول منها 50 ألف وحدةٍ سكنية، تستهدف جميعها محدودي الدخل والشباب المقبلين على الزواج وفئاتٍ أخرى، عبر خطط سَداد ميسرة، علاوة على دراسة الحكومة جملة قرارات لعلها تخفف الأزمة.

وفي هذا الإطار، قال المحامي، جنيد كولجان: “الدولة مدركة لحجم الأزمة، وهي تعالجها على أكثر من صعيد، فهي بصدد إصدار قرار لتخصيص مصلحين حقوقيين ينظرون في المشاكل بين المؤجر والمالك لحلها قبل وصولها إلى المحاكم”.

وأضاف: “ثم أن الدولة حاليا تكافح لبناء بيوت قليلة الكلفة ووجهت بحملة عامة في عموم البلاد لمن لا يملكون منازلَ خاصةً بهم للتقدم إليها، كما وضعت سقفاً لزيادة الإيجار بما لا يتجاوز نسبة 25 بالمئة”.