ألمانيا تعتزم تصنيف المجاعة الأوكرانية “إبادة جماعية”

6


وسيتبنى القرار مختلف الكتل البرلمانية الرئيسية بالبوندستاغ، في الائتلاف الحاكم المشكل من الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر والحزب الديموقراطي الليبرالي، مع المعارضة المحافظة ممثلة بالاتحاد الديموقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي.

المجاعة الكبرى

  • المجاعة التي حدثت خلال الحقبة السوفييتية، يختلف المؤرخون حولها، حيث يعتبرها البعض “إبادة” للأوكرانيين أمر بها زعيم الاتحاد السوفييتي حينها جوزيف ستالين، فيما يرى آخرون أنها كانت مجاعة عامة شملت مختلف مناطق الاتحاد السوفييتي آنذاك، ولم تقتصر على أوكرانيا فقط، وأنها لم تكن مخططة بل نتاج تضافر عوامل الجفاف والشحة المطرية، مع سوء الادارة والتخطيط الحكومي السوفييتي .
  • المجاعة وقعت بين عامي 1932 و1933 إثر تراجع المحاصيل الزراعية، وقيام شرطة ستالين بمصادرة الحبوب ومواد غذائية أخرى من المزارع، وقضى ما بين 3 إلى 4 ملايين أوكراني جوعا جراء ما يسمى في أوكرانيا “هولودومور” أي “الإبادة بالتجويع”.

تفاصيل مسودة القرار

  • المجاعة التي تحيي أوكرانيا ذكراها السنوية كل رابع يوم أحد من شهر نوفمبر، تندرج على لائحة الجرائم اللاإنسانية التي ارتكبتها أنظمة شمولية تسببت في القضاء على ملايين الأرواح البشرية في أوروبا ولا سيما في النصف الأول من القرن العشرين”، وفق ما جاء في مشروع القرار الذي أطلعت عليه وكالة فرانس برس .
  • يضيف المشروع أن هذه الجريمة “جزء من تاريخنا المشترك كأوروبيين”، مشددا على أن “أوكرانيا بأسرها تأثرت بالمجاعة والقمع وليس مناطق زراعة الحبوب فيها فقط”.
  • ويخلص إلى أن “من المنظور الحالي، من الواضح أن هذه إبادة جماعية على المستوى التاريخي والسياسي”.
  • البوندستاغ “يستنتج من ماضي ألمانيا مسؤولية خاصة، وهي تحديد الجرائم ضد الإنسانية والتعامل معها داخل المجتمع الدولي”، وفق مسودة القرار.

وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتز ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، على لسان المتحدثين باسمهما الجمعة، عن تأييدهما لمشروع القرار.

وترفض روسيا وبشكل مطلق هذا التوصيف، مؤكدة أن المجاعة الكبرى التي ضربت الاتحاد السوفييتي في مطالع ثلاثينات القرن المنصرم لم يكن ضحاياها من الأوكرانيين فقط، بل من الروس والكازاخستانيين وألمان الفولغا وغيرهم من الشعوب السوفييتية حينذاك . 

انتقائية وتوظيف نفعي

  •  الخطوة الألمانية المرتقبة بتعريف المجاعة الأوكرانية في ثلاثينات القرن الماضي “إبادة جماعية”، يرى باحثون ومراقبون فيها مثالا ساطعا على كيفية تحويل المآسي التاريخية وبانتقائية  لأوراق ضغط وانتقام، في سياق الأزمات والصراعات بين الدول الكبرى، وأن هذا قد يفتح الباب على مصراعيها للإيغال النفعي وليس المبدئي في فتح ملفات حساسة ومثيرة للانقسام الحاد وتوظيفها في سياق لعبة المصالح ومساوماتها، كما هي الحال مثلا مع مسألة إبادة الأرمن في العام 1915 في الدولة العثمانية، ويتم توظيفها كورقة ضغط على تركيا الحالية .

ابتذال مفاهيم العدالة الدولية

يقول الباحث والخبير بالشؤون الأوروبية والألمانية ماهر الحمداني، في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية :”من المؤسف أن تلجأ ألمانيا لاقحام المبادىء والشعارات الإنسانية التي تحمل قيمة مثالية عليا، في سياق تصفية حسابات وخصومات سياسية كالجارية بين روسيا ودول الغرب، فتصنيف الألمان المجاعة التي حدثت بأوكرانيا مطلع ثلاثينيات القرن العشرين  بعد صمت امتد لنحو 100 عام، على أنها إبادة جماعية وفي ظل ما يحدث من أزمة حادة بين الروس والكتلة الغربية، يدل على أن هذا توظيف مصلحي فاضح لهذا المصطلح في إطار الدعاية السياسية المؤقتة، وهذا ينتقص من هذه القيم والمفاهيم التي يتم اقحامها في لعبة المصالح، ويفقدها تاليا قيمتها ويجعلها عرضة للابتذال”.

ويتابع :”وهكذا فاستغلال بعض الأحداث التاريخية من قبل العواصم الغربية في صراعها الحاد مع موسكو، يعطي روسيا كذلك وبالمقابل الحق في أن تعتبر ما حدث من حصار على يد النازيين لمدينة ستالينغراد مثلا هو الآخر إبادة جماعية، حيث فقد حينها ملايين الروس حياتهم فيها وفي الحرب مع النازية عامة”.

ويضيف الحمداني :“وبهذا الشكل فإن هذه التوصيفات القانونية التي تستخدم لإدانة جرائم ضد الإنسانية، ستصبح مجرد أدوات يتم اقحامها في سياق الصراعات والمناكفات السياسية بين دول العالم، وبالتالي تضيع منجزات عظيمة راكمتها البشرية لإحقاق حقوق الإنسان وتأطيرها منذ الحرب العالمية الثانية مع إقرار مفاهيم الإيادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعقوبات المترتبة عليها، بفعل تسييس هذه المفاهيم وتحويلها وسيلة تنابذ وتصفية حسابات”، كما يختم الخبير بالشؤون الأوروبية .

قرار مسيس

بدورها تقول الباحثة والخبيرة بالشؤون الدولية لانا بدفان، في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية :”ما يتم هو قرار مسيس لتوظيف مآس مضت كأوراق انتقام وبشكل كيدي من روسيا الحالية، علما أن تلك المجاعة الكبيرة لم تحدث فقط في جمهورية أوكرانيا السوفييتية، بل حصلت في جمهوريتي كازاخستان والشيشان وغيرهما العديد من أقاليم الاتحاد السوفييتي السابق”.

الرواية الروسية

وتوضح بدفان أن :”محاولة إلصاق جريرة ذلك بروسيا الآن ستنعكس بشكل سلبي على تعقيد الأزمة الحالية أكثر بين روسيا ودول المنظومة الغربية الأطلسية، ذلك أن الرواية الروسية تختلف عن الأوكرانية والغربية لهذه المجاعة، فجمهوريات الاتحاد السوفييتي كانت تتقاسم المحاصيل والثروات آنذاك، بسبب شح الأمطار وتراجع انتاج الحبوب والغلال جراء ذلك، ما تسبب في تلك الكارثة، ولهذا فموسكو ترى في مثل هذا المسعى الألماني إساءة مقصودة لها ولتاريخها إبان الحقبة السوفييتية”.